الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة خيوط اللّعبة لصلاح مصدّق: عندما تتحدث الدمى المتحركة عن إنسانيتنا المفقودة

نشر في  13 ماي 2014  (10:39)

 تندر في المسرح التونسي الأعمال التّي تتوجّه إلى الشريحة العمريّة للأطفال ما بين 12 و15 سنة، مثلها مثل الأعمال الأدبيّة خلافا للتجارب العالميّة الرائدة مثل هاري بوتر وغيرها.  ولكن بفضل مبدعين شهدنا على أعمالهم عبر سنين طويلة في عالم المسرح والتلفزيون هما صلاح وسهام مصدّق، أمكننا كسر هذه القاعدة. تشهد مسرحيّة "خيوط اللّعبة" على ذلك، وهو عمل من كتابة الدكتور سعيد بن سليمان، اخراج سهام مصدّق، اشراف فنّي لصلاح مصدّق، وأثثها سبع ممثّلين. وقد تمّ عرض المسرحيّة يوم الأحد 11 ماي بفضاء دار الثقافة ابن خلدون بحضور عدد محترم من الأطفال صحبة أوليائهم.

 الالتباس الكبير، للأطفال أو للكبار؟

 عرض للأطفال من 9 إلى 99 سنة، هذا ما ورد على آفيش المسرحيّة. أيّ سلوك سيحمله المتفرّج؟ نزعته الطفوليّة أم حكمة الشيخوخة؟ في الحقيقة بعد أن تكمل العرض تعاودك نفس الأسئلة، لكنّ الاجابة يقينا ستكون "للجميع". يبدأ العرض بحوار بيع أربعة شخصيّات يتقمّصون أربعة عرائس: جاوا، الكاراكوز (العين السوداء بالتركيّة)، كانينو(الكلب الصغير بالايطاليّة) وسافاري. جاوا من أندونيسيا، الكراكوز من تركيا، سافاري من افريقيا وكانينو من صقليّة بايطاليا.

 كان تقديم الشخصيّات مبنيّا على معارف موسيقيّة لكلّ بلد وعبر عرض صور، بطريقة مبسّطة وبرقيّة ومدروسة بيداغوجيّا وعلميّا وهو ما نكتشفه من بدايات تنفيذ العمل. فالعمل أوّلا وبالذّات موجّه للأطفال وذو بعد تثقيفيّ أوّلا يرتقي بالأطفال ويلقّنهم معارف جديدة، وهو ما أكّده الفنّان صلاح الدّين مصدّق في حوارنا معه. تدخل بعده هذه الدّمى في حوار مع الطفل قمبور، الباحث عن أشياء جديدة في عالم العرائس، ويريد أن يصبح دمية ويبتعد عن العالم الخارجيّ بمساوئه.

 العالم: خيوط، ستار وضجيج.

 ما يشدّك في هذا العرض البنية السرديّة للنصّ المسرحيّ الانسيابيّة والبسيطة،  مع عمق كبير في المعاني والطروحات. أحداث تحوم حول سؤال كبير "من يحرّك خيوط اللّعبة؟" فدعوة قمبرو للجمهور "النّفَسْ لا-للدمى-... انتوما تنجّمو تتنفّسوا"، دعوة للحياة لطفولة تحتاج للصقل والتهذيب لبناء مجتمع راق، وهي وظيفة المسرح الأساسيّة في الأساس. أو في تساؤله من هي الدمى المتحرّكة، تلك العرائس الخشبيّة أو البلاستيكيّة فوق المسرح أم تلك البشريّة؟ فالعالم الخارجيُّ عند قمبور مكوّن من ثلاث: خيوط، ستار وضجيج.

 سردٌ يحيلك إلى تدوين سؤال "هل هذا العرض للأطفال حقّا؟" لتتعمقّ في ماهيّة من يحرّك خيوط الأحداث التّي يمرّ بها العالم الآن وتغييرات قلبت كامل السياقات الفكريّة والجغرافيا. فالدّمى تريد أن تتخلّص من خيوطها، والطفل قمبور يريد أن يجعل لنفسه خيوطا. مراوحة بين طلب الحريّة المطلقة أو الحريّة المسؤولة، بينهما يقف القانون المتواجد كشخصيّة في المسرحيّة (كانينو) كنوع من التضمين والمجاز.

 للدمى مواقف من قضايا الأطفال.

 يقول أوسكار وايلد : "هنالك العديد من الحسنات في الدمى. إنها لا تجادل أبداً. كما أنها لا تمتلك رؤية فجة حول الفن. إنها لا تمتلك حياة خاصة بها." لكنّ في المسرحيّة تجادل وتعبّر عن رأيها وسخطها حول عديد القضايا. كمشاكل الأطفال غير الشرعيّين، وابراز أهميّة الوسط العائليّ كأساس لتربية الأطفال وانشائهم على القيم الانسانيّة والمبادئ السامية. كذلك قضية التمدرس عند الأطفال وانقطاعهم عن التعليم بسبب الأوضاع الاقتصاديّة المتواضعة لعائلاتهم ما يمنعهم من بناء قدراتهم والاندماج في المجتمع. تبدي الدمى أيضا امتعاضها من اكتشافهم لمصطلح "الكذب" في العالم الخارجيّ. أي من زيف الخارج ونقاء فضائهم، أيّ الفنّ والابداع بتعابيره المختلفة وقدرته على التغيير الايجابيّ والارتقاء بالوعي البشريّ عموما. والمسرح أبو الفنون، وله بصمته في التاريخ الانساني.

 تنزع الدمى في آخر المسرحيّة خيوطها، لترقص على أنغام الحريّة. دعوة للتخلّص من النمطيّة الفكريّة والقوالب الجاهزة ومن تعدّد السلط، الأسريّة والتربويّة والمجتمعيّة والدينيّة أيضا. وقد كان للموسيقيّ رضا ديكي حضور بإحدى أغانيه التّي تمّ تضمينها، ما يبرز البحث الذّي أثّث لهذا العمل.

 عمل راق، فيه بحث عن مضامين عميقة بأسلوب بسيط. خاصّ بالأطفال والكبار أيضا، ودعم لمسرح الأطفال التونسيّ بشكل عام. يعاد عرض المسرحيّة بقاعة الفنّ الرابع يوم الأحد 25 ماي 2014.    

 

شوقي البرنوصي